أخلاق الناسك

تحميل اخلاق الناسك PDF

أخلاق الناسك

أما بعد : معشر الحجاج و العمار

من عظيم فضل الله عليكم أن اختاركم إليه وفدا, و لبيته ضيوفا, و لفريضته حجاجا و نساكا , فهو الذي اجتبى لحجه عبادا, فوطأ لهم على فراش كرامته مهادا, و سقى قلوبهم من سحائب رحمته ودادا, و في حديث سيدنا رسول الله صل الله عليه و سلم : ” الحجاج و العمار وفد الله , إن سألوه أعطاهم و إذ دعوه أجابهم , و إن استغفروه غفر لهم “.

فلذالك ينبغي أن يقدرالإنسان مبلغ نعمة الله عليه , بهذا الاصطفاء, فيولي هذه الفريضة حقها و مستحقها من الأخلاق السامية و القيم العالية و الآداب الرفيعة , و ما أكثر الناس سؤالا عن فقه المناسك و أقلهم استفسارا عن أخلاق الناسك , مع أنّه لاينفك هذا عن ذاك أليس الحج شعائر و مشاعر, شعائر تعظم و مشاعر تسمو, يعيشها المسلم فتحلق به في أعلى درجات الكمال , و أسمى مقامات الإستقامة و الإمتثال .

قال الله عزوجل:” الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث و لافسوق و لاجدال في الحج, و ما تفعلوا من خير يعلمه الله,و تزودوا فإنّ خير الزاد التقوى, و اتقون يا أولي الألباب“فهو مدرسة للتقوى لما يرعاه الإنسان من نفسه من آداب و أخلاق, و ما أجمل أن يتأدب الإنسان مع الديان فيعظم شعائره ( و من يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب),وما أجمل أن يتأدب الإنسان مع المكان و أيّ مكان مهبط الوحي , و مهد الرسالة ,جوار الكعبة , و مأرز الإيمان و مهوى الأفئدة لقوله تعالى :” ومن يرد فيه بالحاد نذقه من عذاب اليم”.   فلا يؤذي فيه بشرا , و لا يقطع فيه شجرا , و لا يروع فيه طيرا. و ما أجمل أن يتأدب الإنسان مع الإنسان ,فلا يسبه .و لا يشتمه , و لا يظلمه و لا يسلمه و لا يحقره و لا يدفعه , فإن مقام الإنسان عند الله, و مبلغ أجره و ثوابه من حجه على قدر ما يرعاه من هذه الحرمات الثلاث , حرمة الزمان, و حرمة المكان , و حرمة الإنسان ,ومنتهى أمل كل حاج أن يرجع في حجه مبرور , فيرجع كيوم ولدته أمه, كما وعد به الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم :” الحج المبرور ليس له ثواب إلاّ الجنة”.وقال ايضا ” من حج فلم يرقت و لم يفسق حج كيوم ولدته أمه” رواه مسلم.

معشر الحجاج ألستم جميعا تطالبون الحج المبرور ؟ أليس منتهى أملكم و أقصى طلبتكم أن ترجعوا من  حجكم مغفورا  لكم كيوم ولدتكم أمهاتكم , ألستم تطلبون الله بحجكم الجنة و تستعيدون به من النار , نعم؟فاحرصوا إذا على الحج البرور, و ماهو الحج المبرور.

الحج المبرور ماكان البر و صفا لازما له , والبر وصف جامع لكل خصال الخير من التقوى و الصلاح, و الإخلاص و الصبر و الإحسان و غيره. أو هو استجمع منه الحاج كل الأركان و الواجبات, و السنن و المندوبات , و اجتنب فيه المحرمات و المكروهات , و هجر ما يتنافى مع ماينبغي أن يكون عليه الحاج من كمال أخلاقي , ولا يعينك على هذا إلاّ علمك و يقينك بما عند الله,و صدق من قال.( إذا عرفت ما تطلبه هان عليك ماتبذله). و ما دمت تطلب الجنة فليهن عليك ما تبذله من أجلها , و أعلم أخي الحاج أن أجرك في حجك على قدر مشقتك وعنائك فيه,وإن ما ينزل بك من بلاء في تلك اليقاع على قدر إيمانك. فأعد لذالك إيمانا صادقا. يقينا خالصا. قلبا صبورا , نفسا تعرف للسماحة و الرفق , و العفو و كظم الغيظ أصولا ثابتة ,و فروعها في السماحة تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها.

ثمّ أعلم أخي الحاج أختي الحاجة , أن الحج أخلاق , أنّ الحج آداب , أنّ الحج  قيّم, أجرك في حجك على قدر جهاد نفسك, وكظم غيظك, و استفراغ وسعك في رعاية حقوق إخوانك .

و إنّ اخص ما تحتاجه أخي الحاج من أخلاق تكون لك زادا يصحبك, بل زينة لروحك. و رفعة لأخلاقك  عشر خصال هي:

  • الإخلاص : و ذلك عملا بقوله تعالى : ” وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين”.و لقوله صل الله عليه و سلم : ” إنّما الأعمال بالنيات و أنّما لكل امرى ما نوى”.و اصل الإخلاص خلوص نيتك – أخي الحاج- من كل قصد غير مرضاة الله تعالى, و قديما قال عمر رضي الله عنه : ” ماأكثر الراكب و ما أقل الحاج و ماأكثر الضجيج و ما أقل الحجيج” فلا يكن همك من حجك أن تصانع به أقرانك ,أو تشاكل به أترابك, أو تستأكل به الناس, ليقال عنك أنّك حاج , تفاخرا أو تباهيا .

و آية قـلة الإخـلاص في الحج. أن تجد الحاج يكثر الشكوى من العبادة والمشقة , ويظهر القلق و الضجر من المناسك و المشاعر, ومن غيرها من النقائص حدث ولاحرج عن لغظ و سخط. ممّا لا يستقيم مع تمام الصدق و الإخلاص , أخي الحاج أنت في رحلة إيمانية تعبدية لا في رحلة سياحية أجرك فيها على قدر التعب و النصب , قلة وعي و إدراك .و سوء تقدير منك أن تقطع الأميال , و تصرف حر الأموال. وتترك الأهل و الأوطان. فيما تزعمه حجا منتهى أملك منه أن يقال عنك حاجا لاغير , هب أنّه قد قيل ؟ فمالك عند الله؟ إذ لا يقبل الله من العمل إلاّ ما كان خالصا لوجهه الكريم.و قد جاء في الحديث القدسي :” أنا أغنى الأغنياء عن الشريك, من أشرك معي في عمل غيري تركته و شركه “.

  • الصبر : لأنّ الحج يتضّمن من المشقة ما لا يتضمنه غيرها من العبادات,إذ هي حل و ترحال وظعن و انتقال ,مفارقة أهل وأوطان و بلاد وخلاّن, ثمّ معاشرة أصحاب تختلف طبائعهم و تتنوع عاداتهم , ممّا يلزمك الصبر عليها, فلذلك كان أكثر ما تحتاجه الصبر , فمن أعدّ لحجه قلبا صبورا أفلح و نجا وفاز بما أمل و رجا,يحتاج الحاج أن يصبر نفسه على طاعة الله. وأن يصبر نفسه عن الكف عن حرمات الله , فإنّ السفر قطعة من العذاب , و ما سمي كذلك إلاّ لأنّه يسفر عن معادن الرجال و أخلاقهم,ومن مواطن صبر الحاج صبره على وعثاء السفر من تأخر رحلته. ولربما ضياع أمتعته. و تأخر نقله و إسكانه في نزله, إلى صبره عن أخلاق من يسكن معهم في غرفته , و صبره في مواطن الزحام على المصاعد و في الطواف و السعي , و الوضوء و الصلاة, إلى صبره في المشاعر في منى و مزدلفة و عرفات .على ضيق المكان و أذى الناس, حيث أينما يذهب يجد زحاما شديدا على مواطن الوضوء و الصلاة و الطواف و السعي و غيرها, فياأخي الحاج من أجل ذلك قال الله تعالى :” إنّما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”. فيا أخي الحاج تمام حجك و كمال نسكك على قدر صبرك و تحملك, فاصبر فإنّما هي أيام معدودات قل ما يجود لك الزمان بغيرها , منحة حياة و فرصة عمر فابذل لها من نفسك صبرا جميلا.
  • كضم الغيظ: و قد قال الله تعالى :” و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين”, وما دام الحاج لابد مخالطا لغيره فإنّه سيرى من إختلاف طبائع البشر. و تنوع عاداتهم. و أحيانا سوء سلوكهم في تزاحمهم و تدافعهم , في أنانيتهم المكبوتة و أثرتهم الممقوتة , و فرديتهم المتسلطة , إذ لا يفكرون إلا في صالح أنفسهم . ما يسوءه و يغيضه, فيحتاج إذ ذ ّّّاك إلى ما يكظم به غيظه, و يطفىء به غضبه , فلا يجاريهم في سلوكهم عنادا و استكبارا , وما أكثر ما ستجده أخي الحاج أمامك-  من الأمور المستفزة – في المطار في الفندق. في الطواف. في السعي. في عرفة. في منى. في ….فوطن نفسك على هذا الخلق الكريم , واجعل نصب عينيك  حديث رسول الله صل الله عليه و سلم حينما أقبل عليه رجل فقال يارسول الله أوصني , قال رسول الله صل الله عليه و سلم : ” لاتغضب قال ثمّ ماذا قال : لا تغضب قال ثمّ ماذا قال : لاتغضب ” و هو الذي قال أيضا: ” ليس الشديد بالصرعة إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب “. إذا كان الصائم يوم صومه يقول لمن سابه و شاتمه إني صائم. فأولى بهذا الخلق منه أنت أخي الحاج في إحرامك, في مهبط الوحي , و مهد الرسالة , و جوار الكعبة .إعلم أنّ حرصك على تمام حجك. و كمال نسكك .وإرضاء ربّك ينبغي أن يمنعك أن ترد إساءة بمثلها أو بأعظم منها, و إنّ ممّا يحزن له القلب. و تدمع له العين. أن ترى التخاصم و التدابر .و التقاطع و التنافر , بل حتى التشابك بالأيدي بين الحجاج في غرفهم و في خيمهم , في عرفة و منى …..إلخ, ناهيك عن سيء الأقوال , و قبيح الفعال, ولو ألزم الإنسان نفسه كظم غيضها , ما أوصلته إلى هذا الفجور عياذا بالله .
  • العفو : إعلم أخي الحاج أنّ الله عزوجل  قد حثّ عباده على العفو و الصفح في كل المواطن , ما بالك في مواضع يرجوا فيها الحاج من ربه درجات الرضى و الرضوان , و يبتغي فيها أن تمطر عليه سحائب الرحمة و الغفران , قال عزوجل:” وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم”. حيث المؤمن إذا عفا ابتغى عفوا من الله اكبرا , قال تعالى : ” فمن عفا و أصلح فأجره على الله“.أخي الحاج و أنت ترجوا العفو من الله . أعف عن خلق الله, و أن تعفوا أقرب للتقوى , أعف عمن زاحمك , أعف عمن شتمك , أعف عمن دفعك , أعف عمن ضايقك , قد يخطىء الإنسان في حق أخوانه في الحج, يزاحمهم و يدفعهم في طوافهم و سعيهم , أو يزاحمهم في خيمهم و مصاعدهم, فلا يبدل الحاج للمخطىء إلا عفوا , و حيث قال صل الله عليه وسلم : ” مازاد الله عبدا بعفو إلاّ عزا “ولا يكون العفو إلا من مؤمن قوي , ألا ماأضيق قلوبا لا تكضم غيظا.ولا تغفر ذنبا ولا تحمل عفوا .
  • التعاون : قال الله تعالى:” و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان “

أحوج المواطن التي يحتاج فيها الإنسان إلى عون أخيه سفره في حجه وعمرته , يحتاج عونهم بكلمة طيبة , بصحبة صادقة , بدعوة صالحة , بالتفاتة كريمة , فالحج رحلة جماعية يؤمها الناس من كل فج عميق , و على كل ظامر, فيهم الكبير و الصغير و الصحيح و الضرير و العالم و الجاهل, فلتكن أخي الحاج مثلا أعلى و أنموذجا أسمى لهذا الخلق مع إخوانك الحجاج,تطعم جائعهم , تسقي ضامئهم , تسعف مريضهم , تعين ضعيفهم ,تغيث ملهوفهم, ترد تائههم , تأوي شاردهم , تعين مرشدهم , تعلم جاهلهم. و ثق بالله, وكل نفسك يقين فيما وعد به رسول الله صل الله عليه وسلم حين قال: ” و الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه , ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته “, فلا تذق ذرعا من ضعف إخوانك و كثرة حاجاتهم فإنّ مبلغ اجرك عند الله على قدر ما ترعاه من ضعفهم , و تصلحه من أحوالهم , و من أعجب ماتراه أنّ بعض الحجاج – هداهم الله- و هم في عز شبابهم , و وافر صحتهم , لايمدون للعون يدا , و يبذلون للضعيف- شيخا أو مريضا- عونا,بل تراهم يزاحمونه و يدفعونه بركبهم و مناكبهم على الأبواب و عند المصاعد وعن الحافلات و في الخيم و غيرها….., أهذه أخلاق الحاج, أهذه أخلاق من يرجوا رحمة ربّه؟ وهو لم يبذل لخلق الله الضعفاء – المرضى و العجزة – مثقال ذرة من رحمة , قال صل الله عليه و سلم : ” الراحمون يرحمهم الرحمان , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ,من لا يرحم لا يرحم ” ألا ما أحوجنا في حجنا إلى خلق التعاون مع الناس جميعا و من عونك لإخوانك – أعضاء البعثة- إلتزامك بأوامرهم. و قبول نصيحتهم و توجيههم. تسهيلا لمهامهم.

  • طيب الكلام : لقوله تبارك و تعالى : ” و قولوا للناس حسنا” و لقوله أيضا :” وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنّ الشيطان ينزغ بينهم ” فواجب الإنسان المسلم أن يلزم نفسه الكلمة الطيبة , أصلها ثابت وفرعها في السماء تأتي أكلها كل حين بإذن ربها و هو الذي يشغل نفسه. و يملا وقته .و يوطن لسانه على ذكر الله , و كل كلمة خير , و حسبك من هذا أنّه جوهر الحج المبرور الذي لا رفث فيه و فسوق و لا جدال, لما رواه البخاري من حديثه صلى الله عليه و سلم :” من حجّ فلم يرفث و لم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” , بل في حديثه صل الله عليه و سلم و هو يبيّن صفة الحج المبرور قال : ” برّ الحج. إطعام الطعام .و طيب الكلام “.

ماذا تخسر أخي الحاج و أنت تبدل الكلمة الطيبة لإخوانك من الحجاج و مرشدين وموجهين , تتعهدهم بالتحية , تدعوا لهم بالتوفيق . إنّ الكلمة الطيبة هي التي تمد جسور المحبة و المودة , وتشد أواصر الإخاء و الصفاء بينك و بينهم , و عن عكس ذلك فلرب كلمة خبيثة يقولها المرء من سخط الله و هو في أقدس الأماكن و أزكاها , تهوي به في النار سبعين خريفا , و الكيس الفطن من الناس من ألزم لسانه حدود الكلمة الطيبة. و العاجز الخاسر منهم من لم يلق  لمايقوله بالا. و لم يصرف له إهتماما , فتراهم عياذا بالله و هم محرمون بالحج, يقعون في الأعراض , و يغتابون الناس , و يأكلون لحومهم , بل يشتمون و يسبون , بل ولا يتورعون حتى عن ألفاظ الكفر الصراح, في مكة و المدينة , و عرفة ومنى , وذاك من أعظم الفجور عياذا بالله , قال الله تعالى :”و من يرد فيه بإلحاد بظلم يذقه من عذاب أليم”.

أخي الحاج سبك و شتمك لإخوانك لا يضرهم بقدر ما تبطل به حجك. و تذهب به أجرك و تعظم به وزرك , فاتقي الله في نفسك , و أمسك عليك لسانك , و اذكر حديث رسول الله صل الله عليه و سلم: ” و هل يكّب الناس في النار على وجوههم , ا و قال على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم ”

  • الإيثار : و هو خلق من أخلاق القرآن. و فضيلة من فضائل الإسلام , و جانب من هدي الرسول عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام , قال الله عزوجل عن أهل المدينة من أنصار رسوله صل الله عليه و سلم : ” و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة “.

و ما أحوج الحجاج إلى هذا الخلق , حينما يؤثر حاج حاجا آخر بمقعد في حافلة. أو مكان في خيمة .أو دور على المصعد. أو مجلس في المسجد. أو كرسي في قاعة إنتظار. و هو يراعي كبر سنّه. و ضعف قوته. و قلة صحته.

لا يفعلها إلا صاحب إيمان صادق و توحيد خالص , و نفس عظيمة أمات متعها و لذاتها .و لرغباتها و شهواتها من أجل إرضاء ربه .

نفسك أخي الحاج تحدثك دائما بأن تكون صاحب أنانية و أثرة, , فجاهد فيها هذه الخصال. و اسع بها نحو الكمال , نحو إيثار إخوانك بحقك .

و أعظم الذنب أن تمنعهم حقوقهم , تمنعهم كرسيا في حافلة , أو مكانا في خيمة .أو مبيتا معك في غرفة , أو مكانا للصلاة في مسجد , وكم ترى من هذا السلوك المنكر ممن يحجزون أماكن في المسجد فارغة و الناس وقوف , و ممن يحجزون أماكن فارغة في الخيم والناس في العراء,إنّ هذا من أعظم المنكر , فابرأ إلى الله من هذا السلوك- أخي الحاج- وأشرك إخوانك في طعامك و شرابك و مكانك .فإنّما هي أيام معدودات , جاهد فيها نفسك و أنانيتها. قدر الوسع و الطاقة.

  • الإحسان : و هو أخي الحاج من أعلى مراتب الإيمان إذ يكون الغيب عندك كالشهادة. و السر عندك كالعلانية , قال سيدنا رسول الله صل الله عليه و سلم : ” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك” , و أول درجاته إحسان العبد مع ربه , فإذا لم تكن أخي الحاج في غاية الإحسان مع ربّك في الحج , و أنت وفد عليه وظيف عنده , في جوار بيته الحرام. فمتى و أين تكون كذلك ,  و إحسانك مع ربّك بأن تستشعر رقابته عليك في جميع حركاتك و سكناتك. و نوماتك و يقظاتك, و خطراتك و بصراتك , و تستحضر التمام و الكمال في طاعاتك و عباداتك .

و إحسانك مع الناس بأن تكون معهم على كل خير مقبلا. و عن كل شر مدبرا. تحسن صحبتهم و تطيب عشرتهم , و تحسن الحديث معهم و تخفض جناحك لهم , و تبسط المعروف لهم. و تمد يد العون لهم , توقر كبيرهم و ترحم ضعيفهم و تجل عالمهم , فإن فعلت ذلك تربعت على عرش قلوبهم بإذن الواحد الأحد, الفرد الصمد , لأنّك أرضيت ربّك , فأمكنك من قلوب خلقه. قال الله تعالى :”و أحسنوا إنّ الله يحب المحسنين” و قال الشاعر أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم…. فلطالما استبعد الإنسان إحسان .. فإن وفقت أخي الحاج لهذا فقد نالك من الخير , ما وعد به الله تعالى عباده المحسنين ,9 -عظ البصر و الصوت , قال الله تعالى :” قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم, و يحفظوا فروجهم ذالك أزكى لهم ان الله خبير بما يصنعون , و قل للمؤمنات  يغضضن من أبصارهنّ و يحفضن فروجهنّ ”   

و قال عزوجل في سورة لقمان :” واقصد في مشيك و اغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير “.

غض البصر و الصوت من  آكد أخلاق الحاج, يرضي بها ربه , و يصون بها حجه . فغض بصرك عن محارم الله تعالى. و عن نساء المسلمين قدر الوسع و الطاقة , فإن غض البصر من تقوى الله و احق من يجب أن يتقي الله هم الحجاج , هم من وفد عليه ضيوفا عنده في بيته الحرام                   ومن مساوى أخلاق بعض الحجاج كثرة وقوفهم على الأبواب .أو جلوسهم ببهوالفنادق على الأرائك يقابلون حركة كل غادية و رائحة , فاحذر نفسك. واشغلها بالحق. و الذكر و الصلاة , و الطواف و قراءة القرآن , واعلم أن نفسك إذا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ,فإنّ النظرة سهم مسموم من سهام ابليس من تركها تقوى الله أبدله الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه .

و عليك بغض الصوت ماستطعت إلى ذلك سبيلا ,فإن من سمت الحاج انشغاله بالعبادة , و قلة الكلام , و حفض الصوت , فإن كان ولابد متحدثا, فليغض من صوته , سواء كان ذلك في المسجد أو في المشاعر أو الخيم أو في الفندق , إلاّ أن يكون محرما فيستحب له رفع صوته بالتلبية.أما غيرهما فلا , ومن مساوىء أخلاق الحجاج رفع أصواتهم بحديثهم في المساجد

و الخيم و الغرف ….إلخ مما يشوش على غيرهم جو العبادة و الذكر و قراءة القرآن ….إلخ.

أخي الحاج هذه بعض أخلاق الناسك  أنت أحوج إليها من فقه المناسك. إذ هي من مقاصد الحج , و كمالاته , و للناسك أخلاق لا يتسع المقام لذكرها منها حسن الظن بالله و الناس, و خفظ الجناح و صدق الحديث , وسائر أخلاق الإسلام .

إلـزم مااستطعت منها قدر وسعك و اسال الله التوفيق و الهداية , لا يهدي لأحسنها إلا هو , و اسأله تعالى أن يصرف عنك سيئها, لا يصرف عنك سيئها إلا هو. و أعلم أنّ كمال حجك و تمامه بالأخلاق , قال تعالى : ” فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج “, و قال الحسن البصري في الحج المبرور ما كلن متضمنا لثلاث : كفّ الأذى , بذل الندى , طلاقة الوجه .

أخي الحاج وفقك الله لكل خير و يسر لك المناسك و أعادك لناسك. بحج مبرور. و ذنب مغفور. و سعي مشكور.  و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته              اخوكم عبد الوهاب مرابطين

.